[مجلة لغة العرب العراقية]
مجلة «لغة العرب»، أصدرها الأب انستاس ماري الكرملي وهو من اللغويين البارعين المعتزين بعروبتهم.
ولد الأب أنستاس الكرملي في بغداد في (22 من ربيع الأول سنة 1283هـ=5 من أغسطس سنة 1866م) وتوفي في بغداد في (13 من صفر 1366هـ=7 من يناير 1947م)
خدم أنستاس الكرملي اللغة العربية وآدابها أكثر من خمسين عاما بما وضع من كتب مهمة، وأبحاث جديدة، ومقالات مبتكرة، وتعليقات مستفيضة، وهو غزير الإنتاج فيما يكتب، وقل أن تجد مجلة عربية ذات شأن في عصره إلا وله مشاركة فيها باسمه الصريح أحيانا أو بأسماء مستعارة أحيانا أخرى،
وقد كانت مجلة لغة العرب شهرية فيها اللغة والأدب والمصطلحات والتاريخ وما يتصل بعلم الاجتماع وعلم الإنسان، وقد صدر منها تسعة مجلدات فيما بين سنتي (1329 - 1350هـ=1911 - 1931م) وقد ضمت أعداد هذه المجلة مئات المصطلحات العربية وما يقابلها في الفرنسية، والمجلة الثانية هي «دار السلام» وكانت نصف شهرية تبحث في الأدب والاجتماع والتاريخ وتعنى بشئون العراق، وظلت تصدر لمدة أربعة أعوام (1337 - 1340 هـ=1918 - 1921م).
* * *
((الكرملي ومجلة لغة العرب)) للدكتور عناد الكبيسي
د. جاسم الخالدي
لا يخفى على كل ذي بصيرة، الدور الكبير الذي لعبه الأب انستاس الكرملي ومجلة (لغة العرب) في الحياة الثقافية العربية في مطلع القرن العشرين، اذ ((كانت وسيلة مهمة في التقريب بين ابناء الأمة العربية، كما كانت سفيراً للأدب العربي ولغته خارج المنطقة العربية))
ونتيجة لذلك كان (المستشرقون يعتمدون عليها اعتمادا كبيرا في اطلاعهم على الادب العربي الحديث وحركة التعريب وحركة احياء التراث العربي وتحقيق المخطوطات)). وبسبب ذلك كله كان (الكرملي) ومجلة (لغة العرب) محط انظار الدارسين والباحثين، إلاّ ان الدراسات التي وقفت عند هذا الرجل لا ترقى الى الأثر الذي قام به ولا تتسق مع الآثار التي تركها. ومن هنا جاءت دراسة د. عناد الكبيسي الموسومة بـ (الكرملي ومجلة لغة العرب ودورهما في الحداثة)، لتسد هذا الفراغ وتضع لبنة جديدة الى جانب اللبنات الأخرى التي وضعها الآخرون.
توزعت الدراسة بين مقدمة وخمسة فصول، وكان واضحا النهج الأكاديمي الذي اتبعه أ. د عناد الكبيسي في تأليف كتابه، وليس ذلك بغريب، اذا ما عرفنا ان الكبيسي من الرعيل الاكاديمي الثالث، اذا جاز لنا تقسيم الاكاديميين العراقيين الى اجيال تأسيا (بتجييل الشعر والأدب) في الأدب العراقي المعاصر، فضلا عن لغته التي تمتاز بسلامة الاداء والوضوح والسهولة وهو ديدن الكبيسي فيما يكتب، وما يطالب به تلامذته وهم يكتبون رسائلهم واطاريحهم تحت اشرافه وهو جزء من الأثر الكبير الذي تركته الصحافة في لغته انشاء وحديثا.
تناول د. الكبيسي في الفصل الأول الذي جاء بعنوان (الكرملي رائد النهضة) شيئا من سيرة الكرملي بوصفه (موسوعة علمية قائمة بذاتها) كما كانت مجالسه مدرسة لها اسسها الفكرية والعلمية وجسرا عبر عليه كثيرون من رواد النهضة في العراق فما جاء في هذه السيرة: ولد الكرملي في مدينة بغداد سنة 1866م من أب غير عربي ـ كما ذكر الاستاذ كوركيس عواد ونقل عنه د. الكبيسي ـ وأم عراقية، تنقل بين مدرسة الآباء الكرمليين، والاتقان حتى عين بعد تخرجه مدرسا للغة العربية وآدابها في مدرسة الآباء الكرمليين. وتنقل ـ بعد ذلك ـ بين بيروت وبلجيكا وفرنسا، وبعدها عاد الى بغداد لتسند اليه ادارة المدرسة الكرملية.
وكان لهذا التطواف والتجوال في عواصم المعمورة أثر كبير في صقل مواهب الرجل وزيادة اطلاعه على اللغات الاجنبية التي كانت عاملا مساعدا في موسوعيته وكفاءته الأدبية. وكانت ـ فيما بعد ـ وراء ولادة مجلة (لغة العرب) سنة 1911م أبان الحكم العثماني في العراق. وهي العنوان الذي حمله الفصل الثاني (مجلة لغة العرب وخدماتها في اللغة العربية) من دراسة الكبيسي المذكورة.
لقد وفق د. الكبيسي في ابراز الدور الكبير الذي لعبته مجلة (لغة العرب) في احياء اللغة العربية والارتقاء بالاساليب الانشائية والأدبية بعد الانتكاسة الكبيرة التي شهدتها اللغة العربية وآدابها في حقبة العهد العثماني، بحيث صرنا نسمع لغة هي خليط من لغات شتى، الأمر الذي أكده د. عناد من خلال اقتباس نصوص كثيرة من صحافة ذلك الزمان، ليضع القارئ على الحال التي كانت عليه اللغة العربية، ومن ثم يتبين الأثر الكبير الذي اضطلعت به مجلة (لغة العرب) في خدمة اللغة العربية وآدابها. واضعة نصب اعينها الحاجة الى التجديد، ولكن ليس الى المقدار الذي يتوهمه المغالون والمتطرفون بل الى مقدار معلوم ومحدود الآن، اما في المستقبل فنحتاج الى الضروري من التعديل شأن اللغات الأخرى الحية، ومن اجل ذلك توزعت ابوابها بين باب (اسئلة واجوبة)، وباب (البحوث المختلفة)، وباب (تصحيح اغلاط)، وباب (النقد اللغوي)، وهو من الأبواب الجديدة في الصحافة. ان مما يذكر في هذا المجال ان د. الكبيسي قد لفت الأنظار الى المعارك الأدبية التي حدثت بين الأدباء، كالخصومة الأدبية بين العقاد و د. مصطفى جواد، بعد ان كتب الثاني نقدا عن شعر الأول، وكانت مجلة (لغة العرب) الحلبة التي دارت على أرضها تلك الخصومة الأدبية.
اما الفصل الثالث، فقد حمل عنوانا (الأدب في مجلة لغة العرب)، وهو الفصل الذي استحق ان يكون واسطة العقد في هذا الكتاب، اذ تناول فيه د. الكبيسي الموضوعات او المضامين التي اضطلعت بها المجلة والرؤى والافكار التي كانت تشغل القراء وغيرهم فضلا عن رؤيتها من قضية التجديد وابرز الشعراء الذين نشروا قصادهم على صفحاتها.
وتجلت في هذا الفصل الرؤية النقدية الثاقبة للدكتور الكبيسي والقراءة المتأملة للنصوص الأدبية التي كانت معظمها (نظما لا ينظر اليه من خلال الفن الأدبي والانسيابية التي تتلاحق لتربك عالما آخر هو عالم الشعر) على حد تعبير الكبيسي.
اما الفصل الخامس فجاء بعنوان (رسائل الى الكرملي)، اشار الكبيسي فيه الى الأهمية التاريخية والأدبية والعلمية للرسائل التي كانت ترد الى الكرملي من ادباء وعلماء عرب كثيرين تحوي من المعلومات ما لا نجدها إلا في مظانها وفي مكانها المناسب او انها ستحدث فراقا لو لم تكن موجودة على حد تعبير د. الكبيسي.
وختاما يمكن القول: ان الكتاب بفصوله الخمسة جهد نقدي قائم على الاستقصاء الرائع لمجلة (لغة العرب) عبر اعدادها المتعاقبة واشارة واضحة الى الأثر الكبير الذي لعبه (الأب انستاس الكرملي) في الحياة الثقافية في العراق عبر عقود متعددة.