[نوادر أبي مسحل]
كتاب ((النوادر)) لأبي مسحل الأعرابي كتاب لغوي قديم، يعد من الأصول اللغوية النفيسة، ويرجع زمن تأليفه إلي نهاية القرن الثاني الهجري أو بداية القرن الثالث.. والنوادر في اصطلاح اللغويين هي ما خالف الفصيح المعروف في الأغلب، مما يتصل باللهجات (اللغات) وغريب الكلم ونادر الألفاظ، ولا يعرفه كثير من الناس، أو ما يسمى: الغريب أو الوحشي أو المشكل أو الشارد. وكتب النوادر صنف من كتب اللغة، أو المعاجم الموضوعية الصغيرة، يجمع فيه مؤلفوها هذا النوع من الألفاظ أو الاستعمالات النادرة، ومشكل اللفظ أو المعنى، وينثرونه نثراً من غير منهج محدد، وإنما يأشِبُون ذلك أشْباً، في تفاريق لا يجمعها جامع، سوى ندرتها ووحشيتها وبعدِها عن السهل المستعمل على ألسنة الناس.. وقد تحدث ابن فارس عن مشكل الألفاظ في (الصاحبي) فقال: ((وأما المشكل، فالذي يأتيه الإشكال من غَرابة لفظه، أَوْ أن تكون فِيهِ إشارة إِلَى خبر لَمْ يذكره قائلهُ عَلَى جهته، أَوْ أن يكون الكلام فِي شيء غير محدود، أَوْ يكون وَجيزاً فِي نفسه غير مَبْسوط، أَوْ تكون ألفاظه مُشتركةً)) وقال ابن سيده في المخصص في معرض انتقادهم: ((إذا أعوزتهم الترجمة لاذوا بأن يقولوا: باب نوادر، وربما أدخلوا الشيء تحت ترجمة لا تشاكله)) وقد ألف في هذا الفن اللغوي كثير من علماء العربية القدامى، فكثرت كتب النوادر في تراثنا اللغوي، وبلغت ذروتها في القرن الثالث الهجري، ثم انحسرت بعد ذلك حينما طغت عليها المعاجم الكبيرة المنظمة التي تهدف إلى استيعاب اللغة، وتصنيفها على الحروف. وقد أحصى منها المحصون الكثير، وفيما كتبه الدكتور حسين نصار في كتابه المعجم العربي غنية لمن أراد الاطلاع عليها، واستدرك عليه الشرقاوي إقبال في كتابه (معجم المعاجم) عدداً منها. وقال الدكتور عزة حسن ? رحمه الله ? وهو محقق الكتاب: ((وكتاب النوادر هذا كتاب في اللغة، والمادة اللغوية الواردة فيه تمثل لغة البادية في الجاهلية وصدر الإسلام في ألفاظها وعباراتها وأساليبها تمثيلا جيدا.. والكتاب بمجموعه أثبت وأوسع نص لغوي وصل إلينا عن المرحلة الأولى لجمع اللغة وتدوينها، في بدء ازدهار الحضارة العربية.. وهو صنو كتاب النوادر لأبي زيد الأنصاري، في هذه الأمور جميعها إلا أنه أوسع منه حجما وأغنى مادة، وهو مروي عن مؤلفه الأعرابي الصميم مباشرة بطريق علماء أفذاذ كبار أمثال ثعلب، وتداوله علماء كبار أمثال أبي عمر الزاهد غلام ثعلب، وأبي عبد الله بن خالويه)) وبقول: ((ويخيل إلي أن كتب النوادر صارت على مر الزمن كتب لغة يبنى أساسها على إيراد النوادر من اللغة، ولكن هذه القاعدة ما كانت لتمنع أصحابها من إيراد الفصيح من اللغة أيضا إلى جانب نوادرها.. للدلالة على النادر ومعرفة معناه وموضع استعماله)) وفد ذكر ابن النديم في الفهرست كتابين لأبي مسحل الأعرابي: كتاب النوادر وكتاب الغريب، فوصل إلينا منهما الأول وضاع الثاني.. وأصل هذا الكتاب نسخة خطية نفيسة جداً محفوظة في مكتبة كوبريللي في إستانبول برقم 1209 ويعدُّ هذا الأصل المخطوط آية من آيات المخطوطات العربية من حيث جمال الشكل والخط ودقته وضبطه، ومثالاً رائعاً لمبلغ الأمانة والدقة التي كان عليها أجدادنا العظام في العصور الخوالي، في نقل الكتب والعناية بها.. والكتاب في هذا الأصل المخطوط مروي عن طريق ثلاثة من العلماء القدامى، فبعضه مروي عن ثعلب وهو في قسمين، وهو أكثره، وقسم مروي إسحاق بن زياد بن الأعرابي، وهو أقله، وقسم منه مروي عن أبي عبد الرحمن أحمد بن سهل صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام، فتكون الأقسام أربعة، روي منها اثنان عن ثعلب. والأقسام الأربعة هي كما يلي: الأول: القسم المروي عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب. والثاني: القسم المروي عن أبي العباس إسحاق بن زياد الأعرابي. والثالث: القسم المروي عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب (أيضا) . والرابع: القسم المروي عن أبي عبد الرحمن أحمد بن سهل، صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام. وجمعت هذه الأقسام الأربعة في كتاب واحد منذ القدم، وقد نقل هذا الأصل المخطوط للنوادر من نسخة مكتوبة بخط أبي عبد الله محمد بن بلبل البغدادي (ت 410هـ) وكان ابن بلبل هذا قد قرأ في نسخته هذه على ابن خالويه اللغوي (ت 370هـ) الذي قرأ نوادر أبي مسحل هذه على شيخه أبي عمر الزاهد (ت 345هـ) بقراءته على أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب (ت 290هـ) كما جاء في السماع المرقوم على صفحة العنوان في هذا الأصل المخطوط..
كتبه / أ. د. عبد الرزاق بن فراج الصاعدي أستاذ اللغويات والدراسات العليا بالجامعة الإسلامية المدينة المنورة