أبو حنيفة ( 80هـ - 150هـ - 699 - 767م).هو النعمان بن ثابت بن زوطي ـ بضم الزاي وفتحها ـ ابن ماه، الفقيه المحدث صاحب المذهب. ولد بالكوفة في خلافة عبد الملك بن مروان (الخليفة الأموي) وتربى فيها وعاش بها أكثر حياته وتوفي ببغداد. كان ذكيًا فطنًا سريع البديهة قوي الحجة حسن الهيئة والمنطق كريمًا مواسيًا لإخوانه زاهدًا متعبدًا. ويعتبر أبو حنيفة من التابعين حيث لقي من الصحابة: أنس بن مالك، وعبدالله بن أبي أوفى، وسهل بن سعد الساعدي، وأبا الطفيل عامر بن وائلة - وروى عنهم الكثير.
كان أبو حنيفة يعمل بالتجارة بصدق وأمانة واستمر في ذلك أكثر حياته فاكتسب خبرة في العرف والعادة والمعاملات وطرق الناس في البيع والشراء والمداينات فكان في ذلك صاحب خبرة ومران. وقد أطلق عليه الخزاز نظرًا لتجارته في الخز.
تفقه أبو حنيفة على أستاذه الأول، حماد بن أبي سليمان، وقد لازمه ثماني عشرة سنة حتى قال حماد: أنزفتني يا أبا حنيفة، كناية عما أخذ منه من علوم. كان أبو حنيفة يعمل بكتاب الله أولاً فإن لم يجد فبالسنة فإن لم يجد في الكتاب ولا في السنة رجع إلى قول صحابي أو إجماع وإلا فالقياس أو الاستحسان أو العرف.
سلك أبو حنيفة في بحثه للفقه مسلكًا يتسم ببعد النظر والحيطة والبعد عن الزلل، فكان إذا ما بحث في الفقه جمع أصحابه واجتمع بهم وعرض عليهم المسألة فيبدي كل واحد منهم ما عنده من رأي فيها، فإذا اتفقوا أخذ به وإن اختلفوا تناقشوا ودعَّم كل واحد منهم رأيه بالدليل فإذا ما انتهى فيها معهم إلى رأي أمر بكتابة المسألة مدعَّمة بالأدلة.
وكان أبو حنيفة ينهى عن كتابة المسألة قبل تمحيصها. وعندما تولى رئاسة حلقة أستاذه حماد، اشترط على أصحابه وتلاميذه أن يجلس عشرة منهم في الحلقة مدة عام فوافقوا ووفوا بشرطه عليهم وبهذا قد ضمن تشكيل الحلقة على ما هي مع بقاء الضوابط الموضوعة لهذه الحلقة. وكان من بين الحلقة الفقهاء والقراء والمحدثون بجانب درايتهم بفقه الكتاب والسنة وأعراف الناس وعاداتهم. وقد تميزت حلقة أبي حنيفة بالتعمق في بحث المسائل الفقهية والمناظرة وكثرة الاستدلال وذكر العلل.
كتب أبو حنيفة كثيرًا في مسائل الفقه، إلا أن هذه الكتابات لم يصل إلينا منها شيء وقد ذكر المؤرخون أن لأبي حنيفة كتبًا كثيرة منها كتاب العلم والتعلم، وكتاب الرد على القدرية وكتاب الفقه الأكبر هذا بجانب أنه قد صح أن أبا حنيفة انفرد بإخراج 215 حديثًا سوى ما اشترك في إخراجه مع بقية الأئمة. كما أن له مسندًا روى فيه 118 حديثًا كلها في باب الصلاة. وقد قام بجمع الأحاديث التي أخرجها أبو حنيفة أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي (ت 665هـ). فوقعت في 800 صفحة كبيرة وقد طبع هذا المسند في مصر سنة 1326هـ.
ويرجح كثير من العلماء أن تلاميذ أبي حنيفة تلقوا عنه الأخبار والفقه ودونوها وقاموا بتبويبها ومن ذلك كتاب الآثار، لأبي يوسف وكتاب الآثار لمحمد بن الحسن. وإن كان أبو حنيفة لم يدون بنفسه شيئًا من محتويات هذه الكتب إلا أنها من فقهه وأخباره.
وقد كان لأبي حنيفة تلاميذ بلغ عدد من دون منهم مذهبه أربعين إمامًا، اشتهر من تلاميذه، منهم: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الذي ولد بالكوفة سنة 112هـ وتوفي بها 183هـ. محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الذي ولد بواسط سنة 132هـ ونشأ بالكوفة وتوفي بها سنة 189هـ، زفر بن الهذيل بن قيس الذي ولد بالبصرة سنة 110هـ، وتوفي بها سنة 158هـ، فهو أسبق أصحاب أبي حنيفة موتًا. وهؤلاء الأصحاب الثلاثة لم يقفوا على ما أفتى به أستاذهم أبو حنيفة فقط، بل زادوا وخالفوه في بعض المسائل التي كان لهم فيها دليل قوي حسبوه أقوى من دليل أستاذهم.
وقد اشتهر المذهب الحنفي في الكوفة وبغداد ومصر والشام وتونس والجزائر واليمن والهند وفارس والصين وبخارى وسمرقند والأفغان والقوقاز والتركستان الشرقية والغربية.
نقلا عن
الموسوعة العربية العالمية
http://www.mawsoah.net