الإمام الأوزاعي
ترجمته
هو أبو عمرو عبد الرَّحمن بن عمرو بن يُحمِد، فهو من كبار تابعي التابعين (بضمِّ المثنَّاة من تحت وكسر الميم) الشَّاميّ الدِّمشقيّ، إمام أهل الشَّأم في زمنه بلا مدافعة ولا مخالفة، كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس ثمَّ تحوَّل إلى بيروت فسكنها مرابطًا إلى أن مات بها. واختلفوا في الأوزاع التي نسب إليها فقيل: بطن من حمير. وقيل: قرية كانت عند باب الفراديس من دمشق. وقيل: من أوزاع القبائل أي: فرقهم وبقايا مجتمعة من قبائل شتى.وقال أبو زرعة الدِّمشقيُّ: كان اسم الأوزاعيّ عبد العزيز، فسمَّى نفسه عبد الرَّحمن، وكان يـنـزل الأوزاع فغلب ذلك عليه. وقال محمَّد بن سعد: الأوزاع بطن من همدان، والأوزاعيّ من أنفسهم، واللَّه أعلم.
ولد الإمام الأوزاعي في بعلبك سنة ثمانية وثمانين للهجرة ونشأ يتيمًا في حجر أمه التي كانت تتنقل به من بلد إلى ءاخر ومن عالم إلى ءاخر، فنشأ تنشئة دينية صالحة. وتأدب بنفسه.
صفاته وأخلاقه:
لقد كان الإمام إلى جانب علمه رجلاً زاهدًا تقيًا كثير العبادة قليل الكلام، فقد ورد عن الوليد بن مسلم أنه قال عنه: ما رأيت أحدًا أكثر اجتهادًا من الأوزاعي في العبادة، وكان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله تعالى إلى طلوع الشمس.
مواعظه ورسائله:
لقد كان الإمام الأوزاعي ذا باع طويل في البلاغة وحسن البيان بحيث يفوق الكثير من أعلام الأدب في عصره.
ومن مواعظه قوله : "مَنْ أكثر من ذكر الموت كفاه اليسير، ومَنْ علم أن منطقه مِنْ عمله قلّ كلامه".
وقد وجد في كتب الأوزاعي بخط يده: " يا ابن ءادم اعمل لنفسك، لا تجعل بقية عمرك للدنيا، حسبك ما بلغك منها، فإنك في سفر إلى الموت يطرد بك نائمًا ويقظان، واذكر سهر أهل النار في خُلد أبدًا، وارغب عن أن تفني بقية عمرك للدنيا، وخذ منها ما يفرغك لآخرتك، ودع من الدنيا ما يشغلك عن الآخرة."
ثناء العلماء عليه
وقد كان العلماء والأئمة يكبرونه ويجلونه أيما إجلال فيما بينهم.
قال مالك: كان الأوزاعي إمامًا يقتدى به، وقال سفيان بن عيينة: كان الأوزاعي إمام أهل زمانه. وقد حج مرة فدخل مكة وسفيان الثوري آخذ بزمام جمله ومالك بن أنس يسوق به، والثوري يقول: افسحوا للشيخ، حتى أجلساه عند الكعبة، وجلسا بين يديه يأخذان عنه.
وقال اسماعيل بن عياش: سمعت الناس سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة.
وقال يحيى بن معين: العلماء أربعة: الثوري وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي. وأما ابن سعد فقد قال عنه: كان الأوزاعي ثقة مأمونًا فاضلاً خيرًا كثير الحديث والعلم والفقه.
وفاته:
روى عقبة بن علقمة البيروتي في سبب وفاة الإمام الأوزاعي أنه دخل حمام منزله في يوم شديد البرودة، فأدخلت زوجته له موقدًا فيه فحم وقاية له من البرد، وأغلقت باب الحمام فمات بسبب الفحم، توفي مستقبلاً القبلة متوسدًا يمينه وكان ذلك يوم الأحد لليلتين بقيتا من صفر، وقيل من ربيع الأول سنة مائة وسبعة وخمسين للهجرة وهو في التاسعة والستين من عمره.