[زهرة التفاسير]
كتب ربيع الزواوي:
هذا التفسير هو المسمى بـ (زهرة التفاسير) للعالم الجليل محمد أبي زهرة، وهو يشتمل على تفسير من أول القرآن الكريم حتى الآية 73 من سورة النمل، فقد أدركه الموت قبل إتمامه.
وقد كان لتأليف هذا التفسير قصّة نجملها كما قصّها المؤلّف نفسه رحمه الله في مقدمته لهذا التفسير بقوله: ( ... فمنذ كنت طالبا أشدو في طلب العلم، وأنهل من معارفه على قدر طاقتي، وأنا أتشوف لمعرفة القرآن الحكيم ..... ولقد كانت أمنيتي العلمية أن أكون قريبا منه دائما، وكنت أراجع الكتب التي تصدّت للتعريف بمعانيه؛ موجزها ووسيطها ومبسوطها، قديمها وجديدها، مؤمنا بأن علمه هو علم الإسلام، بل هو علم النفوس البشرية وأسرار الوجود، وأنه علم النبوة الإلهية في مختلف العصور. ولما شرفنا الله تعالى بتدريس العلوم العربية والشرعية كان أول دروسنا في تعرّف معاني القرآن، فكان ذلك يمنا وبركة وإشعارا بتوفيق الله تعالى لنا، في مستقبل أعمالنا. ولكنا شُغلنا عن تفسير القرآن بدروس إسلامية أخرى، وإن كنا لم ننقطع عن القرآن .... حتى دعتنا مجلة دينية كانت لها مكانتها، ولصاحبها مكانة من تقوى الله؛ لنكتب فيها تفسيرا؛ أتمم ما بدأه طيب الذكر فضيلة الشيخ محمد الخضر التونسي رضي الله عنه، وكان قد وصل في تفسيره إلى قوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة .... ) (الآية189 من سورة البقرة). وقمنا بما استطعنا، ووسعته طاقتنا حتى وصلنا إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: (وعنده مفاتح الغيب .... ) (الآية 59 من سورة الأنعام). ثم حيل بيننا وبين السير في عملنا، بمعوقات تتصل بوحدة النسق والكرامة. والآن قد ابتدأنا الكتابة في معاني القرآن الكريم من أوله إلى ما وصل إليه الشيخ الإمام الخضر، رحمه الله تعالى. حتى إذا وصلنا إلى ذلك نشرنا ما كنا قد كتبناه في المجلة، ثم نستأنف بعد ذلك القول في معاني القرآن من قوله (وعنده مفاتح الغيب ... ).
وأقول:
- هذا التفسير من أحسن وأجل التفاسير العصرية؛ يتّبع فيه مؤلّفة منهج المدرسة العقلانية، التي أسّسها الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا.
- كان منهج المؤلّف الذي سار عليه في تفسيره واضحا، يمكن أن نتعرّف عليه مما قاله في تمهيده صفحة 23 إذ يقول: ( ... اتجهنا إلى كتابة معاني القرآن، كما ظهرت لنا، وكما أدركت عقولنا، وكما بلغته طاقتنا، غير محملين وضعا ما لا يحتمل، أو نطوعه لتفكير سبق إلينا، ولسنا منكرين لما بذله العلماء الذين خصوا معاني القرآن بأكبر عناية، بل إننا نجد فيما كتبوا أو نُقل عنهم ذخيرتنا التي ندّرع بها غير مفتاتين عليهم في قول، ولا متهجمين عليهم في رأي ... ) غير أن المؤلف لم يلتزم بذلك؛ فقد خالف المفسرين في بعض ما ذهبوا إليه أو أجمعوا عليه؛ يقول في صفحة 18: (( ... إننا وجدنا تطابق أقوال المفسرين في فهم آيات لا نرى أنها متفقة مع المبادئ المقررة في القرآن؛ كأقوال المفسرين في قول الله تعالى: (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون) (الآية 32 من سورة الزخرف)، وتفسيرها على أنها تبين رفعة الأغنياء على الفقراء، وما ذلك بصحيح في المبادئ الإسلامية، ولا المقررات الدينية. وكذلك قول المفسرين إلى عهد الحافظ ابن كثير في تفسير الآيات (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخييرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (الآية 36 من سورة الأحزاب) وقد أجمع الأكثرون على أنها في عشق النبي صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش، وما كان لنا إلا أن نصحح المعاني ونقول الحق الذي يناسب علو القرآن وكمال الرسالة، مخالفين هؤلاء ... )) ونحن نقول: لكن هل أجمع الأكثرون من المفسرين قبل الحافظ ابن كثير على أن الآية في عشق النبي صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش فعلا، أم في إبطال تبني الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه؟.
- كما يهتم المؤلّف بتفسيرات الصحابة وخصوصا علماءهم والسابقين الأولين، على أساس ألا تخالف نصا قرآنيا، أو تناهضه أو تحمله مالا يحتمل، ثم ماصح عن التابعين الذين اتبعوا الصحابة بإحسان، ولكنه يحترس في أخذه من التابعين؛ لكونه يرى أنه قد حدث أمران في عهد التابعين كانا سببا في دخول كلام في تفسير القرآن ليس منه؛ الأمر الأول: دخول كلام من بني إسرائيل إلى العلم الإسلامي ونسبوه إلى التابعين على أنه من أقوالهم. الأمر الثاني: أنه في عهد الأمويين - وهو عهد التابعين- وُجد من النصارى الذين كانوا في حاشية الأمويين من يعملون على بث الروايات الكاذبة حول القرآن ونسبونها للتابعين.
- كما يرى أن الطريق المثلى التي توصل إلى الغاية في فهم القرآن، وتعرف معانيه وإدراك دلائل إعجازه هي الاعتماد على النقل والعقل، فلا يصح الاقتصار على النقل وحده، ولا على العقل وحده، وإنما النظر الأمثل هو أن يُعتمد على العقل والرأي وعلى السماع من أقوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
- لا يتجه المؤلف في تفسيره هذا إلى الأغاريب، إلا إذا اضطر لتوجيه المعاني وتقريبها للقارئ.
- لايذكر من القراءات المختلفة شيئا إلا إذا ترتب على ذلك اختلاف في المعنى؛ ليظهرؤ بذلك وجها من وجوه إعجاز القرآن.
- يطيل المؤلّف أحيانا في بيان لفظ موجز من القرآن؛ أيضا ليكشف وجها آخر من وجوه الإعجاز فيه.
- يحاول فيما يتعلق بالكون ألا يحمل ألفاظ القرآن فوق ما تحتمل.
- يذهب المؤلّف مذهب المدرسة العقلانية في تفسير المعجزات تفسيرا عقليا؛ انظر - على سبيل المثال - تفسيره لقول الله تعالى: ( ... فقلنا اضربوه ببعضها ... ) في تفسيره لسورة البقرة.
- ينكر المؤلّف رحمه الله وقوع النسخ في القرآن، ويخالف بذلك ما عليه جماهير العلماء المسلمين، يقول في في التمهيد صفحة 41: ( ... ولذا نحن نرى مارآه من قبل أبو مسلم الأصفهاني، وهو أنه لا نسخ في القرآن قط؛ لأنه شريعة الله الباقية إلى يوم القيامة؛ ولأن النسخ لم يثبت بنص عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يصرح النبي صلى الله عليه وسلم بنسخ آية من القرآن، وما جاء من عبارات النسخ في القرآن إنما في نسخ المعجزات الحسية بالقرآن الكريم .... ولأن النسخ يقتضي أن تكون آيتان في القرآن موضعهما واحد، وإحداهما مثبتة والأخرى نافية، ولا يمكن الجمع بين النفي والإثبات ... ).
- كما ينكر المؤلّف أيضا ما ثبت في الصحيحين من قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، من أنه صلى الله عليه وسلم كان يخيّل إليه أنه يأتي ألنساء وهو لا يأتيهن؛ يقول صفحة 24: ( ... فإنما ندفع الريب عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نتهجّم عليه ولا على حكمته؛ كتلك الآثار التي توهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سُحِر ... إنا نرد هذا وأشباهه تنزيها للرسالة المحمدية الإلهية، مهما يكن لراويها من الثقة، ونعدّها عليه وليس بمنزه عن الخطأوالنسيان، ودخول الغلط عليه، وأخشى أن أقول إن من يعتقد ذلك يكون كأهل الجاهلية الذين قالوا: (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) (الآية 47 من سورة الإسراء). ولعل المؤلّف رحمه الله لم يتنبه إلى أن سحر النبي صلى الله عليه وسلم كان في قضية جِبِلّية خاصة لا علاقة لها بالتشريع؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم فقط يهييء إليه أنه ياتي النساء وهو لا يأتيهن، فلا داعي لتشبيه من يعتقد ذلك بالمشركين الذين وصفوه صلى الله عليه وسلم بأنه رجل مسحور!!!.
[نقلا عن: مركز طيبة للدراسات الإنسانية]